حوار مع الفنانة التشكيلية فاتن نسطاس متواسي

الفنانة التشكيلية فاتن متواسي فنانة فلسطينية، ولدت في مدينة بيت لحم عام 1975، عاصرت الانتفاضتين، حاكت أعمالها ثورة المكان، الحدود كانت لها معنى في أعمالها الفنية، وتشغل حاليا منصب رئيسة دائرة الفنون المرئية في كلية دار الكلمة الجامعية للفنون والثقافة في بيت لحم.. اهلا وسهلا بك

   مشكلة فهم اللوحة أو غموضها بالنسبة للمشاهد ما دور كل من الفنان والمشاهد فيها؟
الفنان يعبّر عن ما في داخله ويعكس ما يشعر به وأيضا يعكس رؤيته لما يجرى حوله من أمور حياتية أو سياسية أو عاطفية، وبالتالي فإن الفن الذي ينتجه الفنان هو من منطلق شخصي ويعبّر عن رؤية شخصية. ومن هنا ياتي الغموض، بحيث أنه يصعب في بعض الحيان على المشاهد فهم الرؤية الشخصية التي عبّر عنها الفنان بلغته المرئية.
    الذات الإبداعية عند الفنان هل تمحورها المدرسة التي ينتمي إليها؟
نحن نعيش اليوم في عصر الفن المعاصر الذي يتميّز بالفردانية، وقد يكون انتهى عصر المدارس الفنية. وبالتالي الذات الإبداعية لدى الفنان تتمحور عادة حول تجاربه الشخصية وإطلاعه على الثقافات والفنون من حوله ومن الثقافات البعيدة. فيجب ان لا ننسى أننا نعيش في عصر العولمة وعصر الإنترنت الذي يجعل من العالم قرية صغيرة بالفعل، حيث يمكن للفنان وهو في بيته أن يزور معارض ويتعرف على انتاجات فنانين عالميين في عدة أماكن حول العالم. والفنان المبدع هو الذي يمكنه أن ينتج فن عالمي خاص به يتمّز بلغة فنية شخصية ويربطه بالتطور الفني العالمي.
    هل هناك أولوية لأحد مكونات اللوحة على الآخر/ موضوع، شكل، مادة، لون/ تحتمها الفكرة أم هناك طريقة ما يتعامل فيها مع هذه المكونات؟
يتمّز كل فنان عن الآخر في نظرته وإعتباره لهذه الأولويات. شخصياً، يهمني جدا الموضوع ومنه انطلق إلى الخامات واللغة الفنية التي احتاجها للتعبير بالشكل الأفضل عن موضوعي. فأنا لا أرسم، بل انتج أعمالا فنية تندرج تحت لغة الفن التركيبي المرتبط بالمكان. والفن التركيبي هو الذي يتخذ من المكان والفضاء العام ركيزة مهمة في العمل، ثم يجب الإنتباه إلى توزيع وتركيب الأعمال في فضاء مكان العرض لخلق حالة تشغّل الحواس، كالنظر واللمس وأحيانا السمع والشمّ... وفي بعض الأحيان أستخدم الفيديو في أعمالي التركيبية.
   ما الذي تريد طرحه من خلال أعمالك في معارضك الفنية؟
أعمالي تتمحور حول المكان ودائما تبحث عن الهوية وخاصة اشكال الهوية المتغيرة، فنحن نعيش في عالم لا يسمح لنا بتحديد هوية بالمعنى المطلق، هويتنا وحدود مكاننا (البيت وهو الوطن) في تغيير مستمر ومرتبط بتقلبات فكرية وسياسية.
   بصراحة هل يمكن ان نغير ونهدم ونبني قناعات (المتلقي) من خلال (الفن التشكيلي)؟ كما يحصل في المسرح او السينما او الدراما؟
شخصيا أومن بأهمية الفن التشكيلي، حيث أنه من اقدم الدلائل على وجود البشرية وعلى معرفتنا عن البشرية، فلولا رسومات الكهوف والأثارات لما عرفنا شيئا عن الحضارات القديمة. ولكن سؤالك هو أكثر عن التاثير الآني، وأعتقد أن الفن التشكيلي خلال السبعينات والثمانينات كان مؤثرا اكثر من اليوم، لأن الفنان كان ينتج فن مقاومة. بينما اعتقد أنه اليوم هنالك محاولات جادة لإعادة دور الفن في المجتمع، ونحن نعمل على ذلك.
    هل هناك خط أساسي يربط بين مختلف مضامين أعمالك؟
بالنسبة لي، الجواب هو نعم، أرى رابط وتطور بين اعمالي. ولكن ربما المشاهد يرى كل عمل وكأنه مشروع فني جديد، وذلك لأنني لا أحصر نفسي بتقنية معينة ولا حجم أو خامة معينة. ولكن الموضوع والبعد الشخصي هو ما يربط بين الأعمال.
    ما مدى قدرة اللوحة الفنية على إعطاء الصبغة المحلية لهوية الفنان من جهة والصبغة الإنسانية من جهة أخرى؟
الفنان جزء لا يتجزأ من محيطه المحلي، وكما ذكرنا سابقا فهو يتأثر بما يجري حوله ويعبّر عن رأيه ويعكس هويته الفكرية والثقافية والسياسية والعقائدية والإنسانية من خلال عمله. ويبقى الجواب منوط بقدرة الفنان على التواصل مع المجتمع الذي يعيش به من خلال أعماله الفنية وبالمقابل قدرته على التأثير في محيطه.
  من خلال رؤيتك كفنانة كيف ترين الحركة التشكيلية في فلسطين الآن وما هو تقديرك لها؟
هنالك ازدهار وتنوع في المشهد الفني الفلسطيني، وهو شيء إيجابي جدا. وهذا يتمثل بتزايد المؤسسات الثقافية التي ترعى الفن والفنانين، وتأسيس متحف للفن الفلسطيني، ونشوء صالات عرض "جاليري" في رام الله وبيت لحم والقدس، ذات صبغة ربحية تهدف إلى تسويق وبيع اعمال الفنانين، وأيضا مشاركة بعض صالات العرض في مزادات اقليمية وعالمية.
   بلا شك أن الفن للإنسانية جمعاء. لا فرق بين عربي وأجنبي في هذا الشأن لكن التساؤل عما يميز العمل الفني.. أصالته أم حداثته؟
أعتقد أن العمل الفني المميّز والمبدع هو الذي يجمع بين الأصالة وفردانية الفنان وبين الحداثة والمعاصرة ويتمكن من مخاطبة العالم بلغته السائدة اليوم وهي لغة العولمة والتكنولوجيا.
  تميزت الفنانة فاتن بفنها التركيبي كان لها عدة محطات، تتكلم بها عن الحدود وتصاريح الدخول للقدس، اين تلاحظي اهمية هذا الفن؟ 
أومن بأن الفن هو لغة للتواصل والتعبير، وعليه، فعندما أنتج عملا فنياً، وبعد البحث في اعماق نفسي حول ما أريد أن اعبّر عنه، آخذ بالحسبان كيفية تشكيل العمل من ناحية خامات ومواد وعناصر يمكنها أن تفعّل حواس الجمهور الذي سيأتي لمشاهدة العمل الفني. وفي الكثير من الأحيان، أفضل ان أعرض أعمالي في أماكن عامة وخارج نطاق جدران صالة العرض، وذلك لأصل إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور.
ربطت الفنانة فاتن بين الفن والمشاركة المدنية بالعديد من التدريبات التي تنظمها شبكة ديار المدنية الثقافية، كيف تقيم فاتن عملية توعية الشباب الفلسطيني من خلال هذه التجارب؟ ودورهم في عملية التغيير المجتمعي؟
يسعدني دائما الإلتقاء بالجمهور وخاصة الشباب، للحديث معهم عن رأيهم وإنطباعهم عن الفن بشكل عام والفن الفلسطيني بشكل خاص. وأرى أن هذا هو واجب فني وواجب مدني في نفس الوقت، حيث أنه مهم جدا لي كفنانة أن أتواصل مع الشباب وأناقش معهم كيف يقيّمون ويتذوقون الفنون وهذا يكون مصدر إلهام لي، يساعدني في اعمالي المستقبلية. ومن جهة أخرى، لا بدّ لنا أن نساعد الشباب والجمهور على تذوق الفن، ومن تجربتي مع الشباب والشابات في شبكة ديار المدنية الثقافية، لمست شغف حقيقي وتفاعل بناء مع كافة المجموعات التي التقيت بها بغض النظر عن موضوع اللقاء. وأكيد أن شباب اليوم هم قادة المستقبل وسيكون لهم دور بناء ومؤثر في المستقبل حول الفن والفنانين الفلسطينيين، لعل جمهورنا يكبر ويصبح أغلبية المجتمع الفلسطيني محب ومتذوّق للفن، وبالتالي يعود للمجتمع الفلسطيني مجده الثقافي والفني، الذي كان يميّزنا قبل نكبة عام 1948.



تعليقات

المشاركات الشائعة