المشكلة هي المجتمع

عندما ينادي دعاة الاصلاح والمتلبسين بلباس حب المجتمع والخوف على المستقبل المبهم القادم، فجل ما يستعملونه من عبارات تتمثل في يجب اصلاح المجتمع، يجب أن نعيد تشكيل مبادء وثقافة المجتمع، يجب أن نعود إلى الوراء متمسكين بتقاليد المجتمع الأصيلة والراقية، يجب ويجب ويجب، يستمرون في التحدث بهذه الكلمات المكررة التي سئمها الناس وبرموها مغلين آذانهم عنها ومشيحين بأبصارهم إلى سواها، وفي وسط هذه المعمعة كاملة يتجاهل أولئك أن المشكلة ليست فيما يقود المجتمع ويسيره ويبنيه بل إن المشكلة هي هذا المجتمع في المقام الأول.

فهو مجتمع عنيد عناد ورقة رافضة الهبوط من مستقرها عندما يحين الوقت لهذا، ولا يترتب على ذلك ذكاءً وقوة وشكيمة وعين بصيرة، بل يترتب على ذلك توقف النظر إلا باتجاه واحد لا ثاني له.

فالمجتمع الذي ينادي بتغيير العادات والتقاليد يرفض رفضا قاطعا ولو مجرد التفكير في المساس بها!.

والمجتمع الذي يدعو إلى التقدم والتطور والانفتاح على الأفكار العلمية الحديثة التي لمستها البشرية بيديها وباتت جزءا من كيانها يرجع زاحفا إلى العرافين والمشعوذين طالبين الصحة والمرض ومعرفة الغيب!.

والمجتمع الذي يصدح مطالبا بالحرية والمساواة لأفراده جميعا دون استثناء يحبس نصفه الأول ويقيد نصفه الثاني مرغما نفسه على السير أسفل بساطير العبودية والاذلال!.

والمجتمع الذي ضج بضرورة الحفاظ على الحدود الشخصية في التعاملات والسرية في العلاقات الشخصية والعملية والمجتمعية ينم بعضه على بعض ويذم بعضه بعض ويأتي في النهاية البعض الأول ليطالب الثاني ألا يناله من كلماته بسوء!.

أما ما هو أفظع فهو هذا المجتمع الداعي للصدق والمناشد لاتباعه دروبه واستعمالها والذي لا يعرف من الكلمة عدا أحرفها الثلاثة التي برأت ذمتها منه أمام رب العباد!.

هذا هو المجتمع الذي يطالب دعاة الاصلاح والتغيير برتق فجواته وتطبيب عيوبه وتطهير معتقداته، متجاهلين أن ثلاثة أرباع المشكلة ليست من تلك الشماعة التي رموا عليها بالأحمال كافة محلقين منها ملائكة بررة أنقياء.
فالمشكلة ليست تكمن داخل المجتمع، بل إن المشكلة هي المجتمع بحد ذاته.

وهل يمكننا أن نزيح المجتمع الفلسطيني من قلب هذه الآفة؟، إطلاقا لا، بل إنه متربع على العرش لا تهزه ريح، فمهما أحببنا المجتمع الفلسطيني وعشقناه ورغبنا في قيادته إلى الأفضل إلا أن هذا يصطدم بحقيقة لا منازع لها، فهناك العديد من العقبات التي يتمسك المجتمع بها ذاته دون أن يفكر حتى بالتناز عنه، إنه متشبث بالتقاليد القديمة التي أكل عليها الزمن وعفا، راغبا عن تغييرها أو إصلاحها، بل إنه لا يلبث أن يعيد صياغتها في ثوب أكثر تشددا وانغلاقا، وكل هذا يوضع في وجه من يفكر أن يغير في ذاك شيئا.

فعندما تأتي المرأة لتحاول الانطلاق والتغيير تفرد جناحيها وتحلق في السماء دون توقف حاسبة نفسها حرة لا حدود لها، غير مدركة أنها لا تطير سوىفي صندوق زجاجي مرسوم لها بدقة شفافة بحيث تكذب على نفسها وتقول أنا حرة.

وعندما تهم الفتوة أن تطلق عنفوانها وتحطم بمحممها كل القيود الممسكة بها تطيح بها بضربة واحدة وتحسب نفسها قد نجحت في كسر أعتى المستحيل عاجزة عن إداراك أنها لم تكسر سوى ما أراد الشيب لها أن تكسر، لقد تغلبت على الأطراف ولم تقرب حتى قيد أنملة من القلب الذابل.


سواء أردنا الاعتراف أم خفنا منه، يحتاج المجتمع الفلسطيني إلى ثورة حقيقية، ثورة من القلب لا الأطراف. 

تعليقات

المشاركات الشائعة