حوار مع السيد الدكتور طالب ادكيدك خبير في التنمية البشرية،

الإنسان، دائماً و أبداً، هو الثروة الحقيقية؛ فبعقله و إبداعاته تتشكل الحضارات الإنسانية، و تربية الإنسان و تنميته هو طريق الاستثمار الصحيح للشعوب، مع السيد الدكتور طالب ادكيدك خبير في التنمية البشرية، أهلا وسهلا بك ..
حاورته تغريد العزة...
كمتخصص في هذا العلم .. هل ترى أن له مقدرة فعلية لإحداث التغيير اذا تم الأخذ به ؟

لا ليس بالضرورة 
ما هو تعريف التنمية البشرية عامة والمقصودة هنا خاصة ؟
هي مجموعة من الأدوات والافتراضات التي تم تجميعها بمراقبة أشخاص رائعين من حيث الانتاجية ووضعها في قوالب من ثلاثة أنماط ( تفكير، حديث، سلوك) وأيضا مشاعر.
هذه القوالب هي التي يستخدمها الأشخاص الرائعون والذين حققوا نتائج رائعة في حياتهم والفكرة منها أن من جاور السعيد يسعد.
أي سوف يتعلم منه طرق تفكيره وتعامله مع تحديات الحياة.
هذه القوالب ليست هدفا بذاتها وانما أدوات ووسائل نستخدمها  (وبتصرف)حتى نصل إلى أهدافنا كما وصل الأخرون لاهدافهم.
هناك مثل قديم يقول:
 " تعلم من أخطاء الأخرين لأنك لا تملك من العمر ما يكفي لتجربة جميع الأخطاء بنفسك " 
وقياسا عليه نستطيع القول:
" تعلم أيضا من نجاحات الأخرين وقم بالبناء عليها فلا داعي للعودة دوما لاختراع العجل."
التنمية البشرية بمفهومها الجديد كما فهمته أنا من أساتذتي ومنهم جون جريندر أحد مؤسسيها أنها طريقة لدراسة النماذج المتميزة في حياتنا واكتشاف أنظمة (قوالب) النجاح الخاصة بها.
بعد اكتشاف هذه الأنظمة نقوم بتجربتها ومعادلتها أو معايرتها لتناسب طبيعتنا ومفاهيمنا.
نبدأ بالتعديل لفترة من الزمن حتى نجد أفضل درجات ملائمتها لنا ولظروفنا ولمبادئنا.
 نطبقها بالنسخة الجديدة حتى نحصل      على نتائج في واقع حياتنا.
  نبدأ بالتعديل والتطوير ونستمرفي      تحصيل النتائج.
هذا الأمر يتطلب فهما جيدا لهذه الأدوات مع تذكر أنها يجب أن تلامس أعماقنا ولا تبقى مجرد أدوات سطحية لان التغيير يحصل في الاعماق وليس على السطح ومن هنا نعود لنذكر أن هذه الأدوات هي وسائل مساعدة وليست هدفا بذاتها.
ما حصل في الوطن العربي وفي العالم أيضا أن أشخاص كثر تعلموا هذه الأدوات بشكلها السطحي ولم يلامس  ما تعلموه أعماق مشاعرهم وبالتالي لم يغير فيهم شيئا الا أنه أعطاهم بعض الثقة في أنفسهم وفي طريقة طرحهم وبدلا من استخدام هذه الأدوات لمساعدة أنفسهم في تحقيق ذاتهم وطموحاتهم، قاموا بالتركيز على الأدوات نفسها وبدؤوا بتعليمها للأخرين دون تجربتها ومعايشتها من قبلهم شخصيا فكانوا هنا مجرد ناقل للمعلومات (وليس للمهارات).
ومن تعلم منهم أخذ أدوات سطحية لا يعرف كيف يطبقها في واقع حياته لأنها لم تلامس أعماق مشاعره وهنا بدأت المشاكل.
نظريات ومعلومات كثيرة مع تطبيق وفهم قليل وبالتالي نتائج منخفضة لا تكاد تذكر.
بعد مرور ١٥-٢٠ عام من هذا الواقع الأليم (إلا من قلة قليلة) انتشرت هذه المعارف انتشار النار في الهشيم ووصلت لمئات الألاف من الأشخاص الذين وجدوا فيها ضالتهم الشعورية في البداية فهي تعطيك طاقة عالية وتفتح أمامك آفاقا مغلقة، لكنها لم تحقق لهم التغيير الذي كانوا يبحثون عنه فانقسموا لـ : فئة ظنت أن المشكلة فيها وأنه لا أمل منها فدخلوا في حالات احباط واكتئاب.
فئة ظنت أن المشكلة في نقص المعرفة فزادوا من القراءة والتعلم السطحي.
فئة ظنت أن المشكلة في المدرب لأنه لم يعرف كيف يجعلهم ينجحون.
فئة ظنت أن المشكلة في الأدوات أو الفكرة ككل لأنها لم تنجح وغيرها .
 المهم في موضوع الفئات أن أغلبهم تنقل من مرحلة إلى أخرى وربما أكثر من مرة ولم يدركوا أن ما ينقص ليس المعرفة وليس قصورا في الشخص أو الأدوات وانما المشكلة تكمن في عمق الفهم والقدرة على تطبيقه في واقع الحياة مع التمييز بين البساطة والسهولة.

 يقول بروس لي لاعب الكونغ فو الشهير " لا يدهشني شخص يعرف ١٠٠٠ حركة قتالية ولكني يدهشني شخص تدرب على حركة واحدة ١٠٠٠مرة "

فالعديد منا لا يفرق أن الفكرة قد تكون بسيطة ومع ذلك تطبيقها وتحويلها من فكرة إلى واقع هو ليس بالأمر 
السهل.

فإن ظننت أن " التنمية البشرية " بمفهومها الدارج هي أداة سحر ستغير حياتك في يوم وليلة فأنت تحلم أحلاما 
ساذجة وبمجرد أن تستيقظ ستبدأ بلعن هذا الحلم وتلعن من أيقظك منه لهذا الواقع الأليم.
 لماذا لايدرس علم التنمية البشرية في المدارس والجامعات إذا كان بالفعل بهذه الأهمية ويستطيع تغيير الكثير للأفضل؟
التنمية البشرية بمفهومها المتعارف عليه ليست علما وانما مجموعة ادوات تم بناؤها اعتمادا على عدة أبحاث ودراسات ومراقبات لاشخاص هم في غاية الروعة والتميز فيما يقومون فيه ومنهم علماء في علم النفس والطب النفسي وعلم النفس الشمولي والتحليلي وغيرها من العلوم مثل الطب الايحائي (ما يعرف بالتنويم الايحائي) والمشهور بإسم التنويم المغناطيسي وهو إسم خاطئ لعلم صحيح.
جرت عدة دراسات عبر التاريخ في محاولة فهم اسس النجاح الفردي واستكمالا لاحد فروع هذه الابحاث قام شخصان وهما البروفسور جون جريندر عالم لغويات والذي قام ببحث حول تأثير الألفاظ في واقع حياة صاحبها، وريتشارد باندلرعالم حاسوب ورياضيات والذي أجرى بحثا حول أسباب نجاح المتميزين: هل هو صدفة أم ان هناك نظام معين يقومون باستخدامه؟؟ قام الاثنان بالعمل بداية بشكل منفرد وبعد ذلك جمعا بحثيهما في بحث واحد اطلقوا عليه اسم ”لغة التغيير" وفيما بعد عُرف هذا البحث بإسم " البرمجة اللغوية العصبية ".
لماذا لا يعلم في الجامعات ؟؟
طرق تنفيذ هذا البحث جاءت بطرق غير معتمدة من قبل مراكز بحث التعليم العالي او الطب النفسي او العصبي وبالتالي نشأت مشاكل وتحديات بين الاثنين ففريق العلماء وهم من يرأس التعليم العالي عالميا يرون أن هذا البحث بعيد عن الواقع، بينما يدّعي مؤسسوه أنهم وبدراستهم للنقاط التي تجعل الناجح ناجحا استطاعوا أخذ نقاط قوة الأشخاص الرائعين واعادة تشكيلها او استنساخها بعد اكتشاف النظام المنطقي والشعوري الذي تعمل به وهذا الأمر ساعدهم فعليا في حل مشاكل عجز عنها الطب النفسي أو انهم تمكنوا في حلها بأوقات جدا قصيرة مقارنة بالطب النفسي الأمر الذي أشعل فتيل حرب بين الطرفين ولكل منهم أتباع وأدلة وأبحاث تثبت ادعاءات كل طرف.
 ماذا استفدت على المستوى الشخصي من التدريبات التي خضتها والتي دربت فيها غيرك؟
هذه الأدوات جاءتني في فترة عصيبة من حياتي بعد الانتفاضة الثانية واجتياح مدينة رام الله وفي تلك الأيام احتل الجيش الاسرائيلي عمارة اللؤلؤة حيث كان لي هناك مركز لبيع اجهزة الحاسوب والبلاي ستيشن وتمت سرقة جميع موجودات المركز ذات القيمة.  وتركوا لي ما ثقل حمله وانخفض سعره. في هذه الفترة كنت حديث الزواج أيضا (عريس من ٣ شهور). 
وجاءت المشاكل والمصائب واحدة تجر معها اثنتان ( كان مؤتمر مشاكل بالجملة. هناك في هذا المكان والزمان تعرفت على د.ابراهيم الفقي صدفة في التلفاز يقول لمحاوره وبلكنته المصرية  
بص يا محمد .. ”أفضل طريق للانتقام هو النجاح " طبعا هذه المقولة استفزتني لعدة شهور حتى استوعبتها ومن تلك اللحظة تابعت ودرست وعملت مع الدكتور ابراهيم لعدة سنوات من ٢٠٠٢-٢٠١٠تقريبا وخلال هذه السنوات أكملت درجة الماجستير وبدأت في الدكتوراة في أساليب التدريس وكان د. ابراهيم الفقي رحمه الله هو من دفعني لاكمال الدكتوراة وهو من ساعدني في اختيار التخصص.
من جهة يمكن القول أن التنمية البشرية ساعدتني في تغيير حياتي للأفضل بطرق متعددة ورائعة 
ومن جهة أخرى لم تكن هي الهدف الأساسي، فالهدف كان دراستي الجامعية في مجال أساليب التدريس وتوسيع نطاق عملي في عدة اتجاهات مهنية وتجارية ساعدتني التنمية على خوضها بنجاح.
وعندما فكرت بتدريب هذه الأمور لأخرين كان هذا بعد أن جربتها وتذوقت حلاوة وفائدة تطبيقها بطرق صحيحة.
طبعا في هذه الفترات لم أكتف بالتعلم مع د. ابراهيم بل تجاوزه الامر لعدة متخصصين آخرين من بلادنا العربية ومن الغرب بمختلف مسمياته ومنهم تتلمذت في البرمجة على يد أحد مؤسسيها وهو جون جريندر. 

 وعندما تعلمتها مع المؤسس (رأس النبع) فهمتها بطرق لم أفهمها من قبل ووعيتها بعمق وقوة لم أعرفهما من قبل.
عند دخولي عالم التدريب وعالم الدورات واجهت صعوبات كثيرة لا مجال لذكرها غير انني أذكر أنني أرسلت بعد ٣ أو ٤ سنوات عمل دون نتائج ظاهرة وصعوبات متعددة أرسلت لأحد أساتذتي مستشيرا فقال لي "عليك أن تعمل وبجهد ١٠٠% لمدة تتراوح بين ٥-٧ سنوات، وبعدها فقط ستبدأ برؤية النتائج"
 ولا تنسى أن تستمر في تطوير ذاتك بشكل مستمر لا توقف فيه
" كتر خيرك ..“ هذا ما قلته له ولكن بداخلي في ذلك الوقت  من جهة كانت اجابته مستفزة ومحبطة 
ومن جهة كانت ضربة استيقاظ وادراك واعي لواقع هذا العالم عالم التدريب. وفعلا بعد العام ٢٠١٢ بدأت أقطف ثمار هذا العالم وهذا العمل. 
هل هناك إقبال على هذه الدورات وما هي آثاره الملموسة على الحضور؟
الاقبال متفاوت ويتبع نفسية وشخصية الأفراد وأيضا درجة المشاعر السلبية والاحباطات فمن يأتي لهذه الدورات: 
خلال سنوات عملي في السنوات الأخيرة في مجال القيادة الذاتية وتطوير الأداء للمؤسسات والأفراد 
وجدت عدة أنماط من الأشخاص الذين      يعانون من مشكلة أو تحديات في حياتهم ويريدون تغييرها: 
نمط يدعي ويشكوا كثيرا من وضعه السلبي ومع ذلك 
لا يقوم باي شيء سوى الشكوى ويدّعي أيضا أنه حاول
أكثر من مرة ولم ينجح.
نمط يعاني من مشاكل وتحديات ويجرب بضع مرات 
ثم تجده يكتفي بالتحدث عن تجاربه الفاشلة وعن صعوبة الحياة
نمط يريد التغيير ويسعى له بجد ويجرب طرقا عديدة ومع ذلك يريد نتائج سريعة فلا يصبر على الطرق التي جربها وينتقل من طريقة لاخرى ليصل بعد فترة من التعب والارهاق أنه لا توجد طريقة وان المنحوس منحوس 
نمط يشبه السابق (الثالث) ولكنه يريد التغيير والطريق بشكل انتقائي أي يجب أن يكون التغيير بطريقته وعلى هواه وبشروطه وهؤلاء أجمل نوع ينتظر ويبحث عن التغيير بقوة ولشهور أو سنوات وعندما تاتي فرصة تجده يبرر ويبتكر أعذارا جميلة منها بس لو كان اليوم غير - عندي ظروف لا تسمح - انا حابب لكن مش عارف
   السعرغالي - المكان بعيد          الوقت مبكر او متأخر - ما في حدا          يروح معي.... وهكذا تستمر الشروط     والتفكير الزائد إلى أن تذهب الفرصة وبعدها يتحول الى رقم (٣) ويقول حظي وانا عارفه والمنحوس منحوس 
نمط يريد التغيير ومستعد لدفع الفاتورة سواء جهد أو تغيير بطريقة التفكيراو طريقة التصرف  ويبتكر طرقا لاستثمار الفرص في حياته والبناء عليها وهؤلاء هم من يتطورون ويرتقون في حياتهم مع الأيام .. فهم يتعلمون من كل شيء يحصل معهم ويستمرون في السير نحو أهدافهم.
ألا تعتقد أننا بحاجة إلى تغيير التركيبة الفكرية للنظر إلى الحياة بشكل أفضل؟
نعم وبكل تأكيد واجابة السؤال السابق تصلح هنا أيضا وهذا من أسباب تصميمي لبرنامج ((غيرعدساتك)) الذي يسعى لتدريب المشاركين فيه على تطوير مهارات خاصة بتقوية القدرة على رؤية العالم بطرق وزوايا مختلفة أكثر انتاجية.
التنمية البشرية تختلف عن علم النفس كيف قررت خوض مجال التنمية البشرية ؟
كما ذكرت سابقا أنا مهندس حاسوب دخلت مجال التطوير الذاتي بالصدفة وبعد فترة وبسبب ما وجدت فيه من فوائد في حياتي وحياة بعض من حولي قررت التخصص فيه ولكنه لم يكن الهدف الاساس وفي نفس الوقت أنا لا أستطيع الحكم أو الحديث في علم النفس فلم أقم بدراسته او التخصص فيه وبالتالي ستكون شهادتي فيه مجروحة وغير مهنية، ولدي عدة أصدقاء متخصصين فيه وأحترمهم جميعا.
في نفس الوقت يستحق الأمر أن نقوم بتمييز الشخص القوي من الضعيف فقد نجد أشخاصا غير أكفاء في هذا العلم ولا نستطيع القول بأن العلم نفسه سيء وانما نقول ان فلانا يعتبر شخصا قويا او ضعيفا في هذا العلم وما يتبعه من تخصصات فرعية.

ما هي السعادة والاكتفاء الذاتي بنظرك؟
يستحق الأمر هنا أن نميز بين المتعة والسعادة: 
المتعة هي شعور ايجابي مؤقت قد يكون كبيرا او صغيرا وغالبا يرتبط بسبب مادي يذهب ويخف مع مرور الوقت.
أما السعادة فهي شعور ايجابي أيضا لكنه لا يرتبط غالبا بأمر مادي وانما يكون معنويا وهذا ما يجعل تأثيره أقوى وأطول أثرا. 
السعادة قد تكون الشعور بالرضى لما لديك مع الطموح بماهو أفضل. 
ويرتبط ذلك بإدراك واع لما لديك من قدرات وامكانيات تستطيع استخدامها لتغيير حياتك وحياة من حولك للأفضل 
وأيضا تكون السعادة عندما تساعد غيرك في أمر تعلم جيدا أنه لا يستطيع رده لك ولا تريد أن يقوم برده ولا تنتظرذلك منه.
في جميع الاحوال هي تعريفات تختلف من شخص لاخر ومن ثقافة لأخرى فلكل شخص في هذه الحياة تعريفه الخاص للسعادة. 






















تعليقات

المشاركات الشائعة