رحلة عبر الحدود

عصافير الصباح تغرد أمام نافذتي محملة بأمل قادم لحياة أفضل، إستيقظت من نومي دقت الساعة التاسعة صباحًا، وكالعادة لبست ملابسي ربما هذه المرة كانت ملابس غريبة بعض الشيء لاني إعتدت ان أرتدي ملابس تبدو غريبة لناظريها أنا هنا أقف في شارع طويل يسمونه شارع "القدس الخليل" أنتظر تاكسي لينقلني حيث يوجد مجمع سيارت تنقلك الى عدة مدن فلسطينية، متوجهة من بيت لحم إلى مدينة رام الله حيث الطريق إليها يوحي بالغثيان مرسوم كأنه أفعى تسعى، تهتز أجزاءك وكأنك تقفز وتهوي الى المقعد، شعور بالدوار ساعة ونصف تفصلنا عن مدينة رام الله، نزلت الى الطابق السفلي في مجمع السيارات، أصوات تتعالى رام الله رام الله....نابلس.... الخليل ... نظر إلي صاحب التاكسي وقال : رام الله هززت رأسي بالموافقة صعدت الفورد، اووووووووووووه صديقتي كيف حالك الى أين "رام الله" تسامرنا الحديث هي كانت تتحدث لي عن أخبارها و عملها ، ضغط الحياة، إنطلق السائق، وبينما أنا أمتع نظري بمعالم الطريق أخذت أتلفت حولي أدور بعيناي لأتامل وجه الحياة وأتابع اختفائها ومالبثت أن تختفي معالمها كأن الاشياء تمضي بسرعة من حولك، أخذتني الذكريات من هذا المكان شعرت بشيء يتداخلني وأتقنت أن هذه هي حقيقة ومعادلات الحياة، أقفز بعيدًا في خيالي أتذكر كل شيء أبحث عن معالم أخرى، لا أعرف لماذا في هذه اللحظات ينتابني الحنين إلى كل من أحبهم أشعر في تلك الدقائق كما لو أنني لن ألقاهم مرة أخرى، شعور غريب كاني أطير داخل الزمان، فتحت نافذتي ألتمس تيار الهواء يخلخل جسدي ويخترق ثنايا صدري.. لكن صديقتي لازالت تتحدث مسترسلة، هي أيضًا تفتقد لمن يسمع صدى صوتها، حينها فقدت شهوتي وإستمتاعي بالنظر الى مكنونات الدنيا، لأعود من شرودي مستمعة لها قالت لي عن ذاك الحبيب يبلغ من العمر 29عامًا يصغرها ب 6 سنوات يقطن في مدينة غزة، تحدثت لي عنه، سنة ونصف حب افتراضي، تطورت العلاقة بين الإثنين وأصبح الحديث بينهما ليس فقط عن طريق الانترنت وانما عبر الهاتف أيضاً. يحاول دائما أن يلتقي بها في الضفة الغربية لكن تصريح الإسرائيلين يحول بينها وبينه، فالمواطن الفلسطيني يعاني من التعنت الإسرائيلي في حالات منح التصاريح الحب لا يعرف الحدود ولا المسميات ولا الحواجز. ربما كثرة الحواجز السياسية والاجتماعية، هي التي أصبحنا نستبدلها بعلاقات الإنترنت الذي يسمح لنا بمحادثة أيا كان ودون حدود الجغرافيا، ربما هو أيضًا إحساس بالفراغ العاطفي فنحن بحاجة الى الاستقرار العاطفي في حياتنا اليومية شعورك أو حاجتك للحب وافتقادك الى من يعطيك اياه او يوفره لك وشعورك أيضًا بعدم من يتفهم وضعك وينصت اليك ويراعي مشاعرك داخل المنزل او خارجه وربما من حولك يسيء معاملتك أو عدم جدية من معك في تحقيق ماتريد وما تتمناه رغم قدرتهم على ذلك هو نوع من الاهمال العاطفي، لذلك أصبحنا نحتاج أن نشبع هذه الروح ولم نعد نهتم بالجسد أو الحالة المادية لهذا الشخص الذي يكون هو من حقق لنا هذه المعاني الانسانية. (هنا اقول أن ليس كل العلاقات الافتراضية سواء انترنت او هاتف او كاميرا هي علاقات صحية و لا تخلو من المشاكل لكن هناك علاقات حقيقية تبدأ هناك عن طريق الشاشة الصغيرة لتكمل مسارها على أرض الواقع، لكن هنا يجب أن ننوه الى نية كل طرف وهل استخدم هذه الطريقة للتسلية ام أنه صادق بمشاعره ) الفراغ العاطفي ليس مرض نفسي لكننا بحاجة لهذه المشاعر الانسانية ولأن مجتمعاتنا تكبت حرياتنا وتصبح مشاعرنا من المحرمات التي لا يمكن تجاوزها .. كذلك النظرة الإجتماعية والموروث الثقافي والبيئي يلعب دورا كبيرا في طبيعة التعامل مع الفتاة ومخاطبتها والتواصل معها. وطال حديث صديقتي عن حبيبها المنتظر ـ واشتياقها له، نظرت إلي بصمت وكادت تتحسس نظراتي حينًا تكون في الوعي وحينًا تسرح في اللاوعي قالت لي: "أتعرفين يا صديقتي كم أنت مفعمة بالمشاعر ولديك قدرة لايصال طاقة إيجابية هائلة .. كم انت جميلة" طأطأت رأسي وقلت لها لربما أسأل لك غدًا عن تصريح لمدينة غزة، عندي أصدقاء يعملون هناك ربما يساعدونا.. عاودت النظر للخارج مرة أخرى، وصلنا الطريق المؤدي إلى حاجز" الكونتينر"، هذا المسلك الذي لا أدري كيف استطاع أن يبتدعه الإحتلال، كثير التعرج والمنعطفات الخطيرة، لا يصلح للاستخدام المدني، ولا يتسع لسيارتين إذا ما التقيتا فيه لشدة انحداره في الإتجاهين أوقفتنا قوات الإحتلال جندي ومجندة ، يسألون عن الهويات، عجوز في الكرسي الخلفي ربما نسيت هويتها الخضراء، تبحث وتتمتم " يا ربي في بلدنا وبدنا هوية عشان ندخل رام الله الي كنا نوصلها بنص ساعة... يا رب ارحمنا" هذه العجوز قد اثقلها التعب، نظرت الى المجندة وقالت لها" نسيتها" صرخت المجندة الاسرائيلية بوجه العجوز " مرة تانية ممنوع تنساها وإلا رجعتك البيت" يالقذارة تلك المجندة يا لها من بلهاء ألا توقن أنها راحلة يومًا ما ونحن باقون هنا، تعجبت عندما سمعت العجوز تقول" اوف... يعني لو الجندي صرخ فينا منقول زلمة الي عم يصرخ، هذا الي كان ناقصنا جندية تصرخ فينا " ضحكت وضحكت بصوت عالٍ حتى نظرت إلي العجوز بطرف عينها، وهي تتمتم " استغفر الله العظيم....

تعليقات

المشاركات الشائعة